رغم خروج أسعار النفط من دوامة أدنى المستويات، التي سجلتها في يناير/كانون الثاني الماضي، لا تزال احتمالات التشاؤم مسيطرة على أداء اقتصادات الدول النفطية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي تعتمد بشكل رئيسي في ناتجها المحلي الإجمالي وفي إيراداتها العامة على تصدير الخام.
وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن أسعار النفط بالسوق العالمي لن تشهد انفراجاً إلا مع حلول عام 2021، وبذلك يتوقع أن تكون السعودية قد استفدت جزءاً كبيراً من مدخراتها، ودخلت في دوامة من الديون المحلية، وقد يتطلب الأمر التوجه للاستدانة الخارجية.
وتراجع الاقتصاد السعودي منذ أزمة انهيار أسعار النفط في يوليو/تموز 2014، وتجلت تداعيات هذا التراجع على المجتمع خلال العام الماضي 2015 والشهور الماضية من العام الحالي، من خلال تخفيض مخصصات الدعم ورفع الأسعار، وتجاوز معدل التضخم لنسبة 4%، والتي يتوقع أن تصل إلى 4.2% بنهاية 2016.
كما طاول ارتفاع الأسعار العديد من الخدمات العامة، مثل الوقود والكهرباء والماء، وصاحبه وقف تنفيذ العديد من المشروعات العامة، والتي كانت بمثابة شريان الحياة للقطاع الخاص السعودي.
وتضرر القطاع الخاص بشدة لاسيما قطاع المقاولات من تراجع الإنفاق الحكومي على المشروعات، الأمر الذي انعكس على أوضاع مئات الآلاف من العمالة الأجنبية والسعودية.
وتشهد العديد من شركات المقاولات الكبرى اضطرابات عمالية، لتأخر رواتبهم لعدة أشهر، لتطاول الاحتجاجات شركات كبرى مثل مجموعة "بن لادن" و"سعودي أوجيه" وهما من كبريات شركات المقاولات في المملكة ومنطقة الخليج.
وبحسب التقرير المنشور على موقع صندوق النقد الدولي حول زيارة بعثة الخبراء للسعودية بنهاية يوليو/تموز 2016، فإن معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة سوف يستمر في التراجع خلال عام 2016 ليصل إلى 1.2%، مقارنة بـ 3.5% في عام 2015.
ودلالات هذا الانخفاض شديدة السلبية، لأن معدل التراجع في معدل النمو يصل إلى 2.3%، وهو ما يعني ارتفاع معدلات البطالة وتسريح العاملين في القطاع الخاص بشكل كبير، وكذلك عموم حالة من الكساد في الاقتصاد السعودي.
وثمة شواهد أخرى تدلل على مرور الاقتصاد السعودي بحالة انكماشية، حيث ذكر تقرير خبراء الصندوق أن الإيرادات العامة للسعودية سوف تنخفض خلال عام 2016 لتمثل نسبة 22.7% من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كانت تمثل 24.4% من الناتج في عام 2015.
وانعكست التوقعات بتراجع الإيرادات على النفقات العامة، حيث يتوقع أن تتراجع هي الأخرى كنسبة من الناتج، لتصل إلى 35.7% في 2016 مقارنة بنحو 41.7% في 2015، الأمر الذي ينعكس سلباً ليس فقط على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي الداخلي، وإنما على العلاقات الاقتصادية الخارجية للمملكة.
ويبدو أن صانع السياسة الاقتصادية بالسعودية سار وفق أجندة صندوق النقد الدولي، حيث تم استهداف عجز الموازنة بنسبة 13% في 2016، منخفضاً بذلك عما تحقق في 2015 وهو نسبة 16%، إلا أن خفض العجز لا يعد بالضرورة وفق خبراء نجاح للسياسة الاقتصادية بقدر ما يعكس عمق الأزمة التمويلية التي تمر بها السعودية.
وبات من الطبيعي في ظل المؤشرات الحالية، أن تنخفض الصادرات السعودية مع نهاية 2016، مقارنة بما كانت عليه من قبل، بسبب أزمة انهيار أسعار النفط، والتي تحطم آمال الدول النفطية في تحسنها، حيث انخفضت أسعار النفط في السوق العالمية على مدار الأسابيع الماضية لتلامس سقف 41 دولاراً للبرميل، بعد أن تجاوزت 50 دولاراً.
"ذكر تقرير خبراء الصندوق أن الإيرادات العامة للسعودية سوف تنخفض خلال عام 2016 لتمثل نسبة 22.7% من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كانت تمثل 24.4% من الناتج في عام 2015."
وتمنت الدول النفطية أن تستمر رحلة الصعود، للوصول إلى أسعار عادلة بسوق النفط، تحقق مصالح المستهلكين والمنتجين، وتعوض المنتجين بجزء ولو كان قليلا من خسائرهم التي تكبدوها على مدار أكثر من عامين.
ويتوقع تقرير خبراء صندوق النقد أن تتراجع الصادرات السعودية لتصل إلى 183 مليار دولار في 2016، مقارنة بـ 202 مليار في 2015، وكذلك الواردات توقع لها أن تتراجع إلى 149 مليار دولار مقارنة بـ 155 مليار العام الماضي.
وكانت الصادرات السعودية قد وصلت إلى 388 مليار دولار في 2012، وعند مقارنتها بما هو متوقع في 2016، نجد أنها فقدت حوالي 205 مليارات دولار، بانخفاض تبلغ نسبته 52.8%.
مردود تراجع الصادرات السعودية، التي تعتمد بشكل كبير على النفط، انعكس على احتياطيات النقد الأجنبي، حيث يتوقع أن تتراجع الاحتياطيات إلى 542 مليار دولار بنهاية العام الحالي، مقابل 724 مليار دولار في 2014، أي أن قيمة التراجع تصل إلى 182 مليار دولار، وبنسبة تصل إلى 25.1%.
ويمكن القول بأن السياسات المالية والاقتصادية في السعودية خلال المرحلة المقبلة من شأنها أن تؤدي إلى فقدان المزيد من احتياطيات النقد الأجنبي، لافتقادها إلى تبني سياسات إنتاجية والتعويل بشكل كبير على قطاع الخدمات الذي يعتمد على الخارج، ولا تمتلك فيه السعودية مزايا تنافسية.
وتضمن تقرير خبراء صندوق النقد الدولي الإشارة إلى ما أعلنته السعودية من رؤية اقتصادية تمتد لعام 2030، وكذلك السياسات المالية والنقدية التي تتبنها الحكومة.
كما تبنى الصندوق رؤية السعودية لتخلي الدولة عن دورها الاقتصادي والاجتماعي لصالح القطاع الخاص، في حين يرى الكثير من خبراء الاقتصاد أن القطاع الخاص السعودي غير مؤهل لهذه المهمة حالياً، مما يعني فتح المجال أمام القطاع الخاص الأجنبي، والذي سيكرر دوره الذي قام به في العديد من دول المنطقة، بتحويل ثرواتها للخارج، وعدم دفعه برؤوس أموال جديدة واعتماده على الأموال المحلية.
وبات من الضروري النظر إلى أن أهم معيار يجب الالتفات إليه في تقويم رؤية السعودية لعام 2030، هو ليس حجم التدفقات المالية أو زيادة الصادرات السلعية، أو غيرها من المؤشرات الاقتصادية، إنما يتوقف الأمر على العائد الذي سيحصل عليه المواطن السعودي ويؤثر على تطوير أوضاعه اقتصادياً واجتماعياً.
وكالعادة، لم يشر تقرير خبراء صندوق النقد إلى التحديات التي تواجهها السعودية بسبب دورها الإقليمي، ودخولها في صراع مفتوح مع إيران، وما يسببه ذلك من تأثير سلبي على الجوانب الاقتصادية، سواء من حيث القدرات المالية، أو الدلالات السلبية على مناخ الاستثمار في السوق السعودي.
كما لم يتناول التقرير طبيعة الإجراءات التي من الواجب على السعودية اتخاذها في مجال الحماية الاجتماعية في ظل التوجهات والممارسات الاقتصادية الجديدة، والتي أثرت بشكل واضح على الأعباء المعيشية للمواطن السعودي والأجانب المقيمين بها.
ففي حين ذكر التقرير الإجراءات التي اتخذت في القطاع المصرفي وفي الموازنة العامة، لم يذكر أية خطوات اتخذت من أجل حماية الفقراء في السعودية، حيث يحتاج الأمر إلى أن تحظى هذه الشريحة من السكان بعناية ورعاية أكبر، في ظل الاتجاه إلى تخلي الدولة عن أدوارها الاقتصادية والاجتماعية.